الصحة العقلية
تعتمد الصحة العقلية على العمل الطبيعي للجهاز العصبي، لكي يتم جلب العقل الكامل لحشد كل طاقته للعالم الخارجي. يؤدّي العمل الطبيعي للجهاز العصبي إلى الصحة الجيدة الطبيعية وبذلك يكون الجسم قادراً على تنفيذ ما يمليه عليه العقل فيكمل رغباته ويكمل غاية الوجود.
طالما يبقى التنسيق بين العقل والجهاز العصبي سليماً فيتم الحفاظ على الصحة العقلية. عندما يتوقّف هذا التنسيق، أكان ذلك بسبب بعض الفشل من ناحية العقل أو من ناحية الجهاز العصبي، تكون النتيجة بالمرض. إن مثل هذا الفشل للعقل حدث نتيجة لعدم قابليته لتحقيق رغباته بشكل متواصل.
إنّ السبب الرئيسي لذلك هو الضعف في الوضوح وقوّة الفكرة، وبالتالي أخفق في تحفيز الجهاز العصبي إلى الحدّ الذي به يمكنه أن ينفّذ النشاط الذي يحتاجه بنجاح لتحقيق الرغبة. ولهذا السبب إن المطلوب هو التنسيق الأكثر شمولاً والوظيفة الأكثر مثالية والقوّة العميقة للفكرة من ناحية العقل، كلها وبشكل متطابق مع القدرة التنفيذية الفعالة في الجهاز العصبي.
إنّ تكامل الطبيعة العضوية للجهاز العصبي هي بالتأكيد أساسية كما هي قوّة العقل أساسية. بما يعلق بوظيفتهما، فهما معتمدان على بعضهما البعض. لقد وجد بأنه عندما يكون الجهاز العصبي دون تغيير، يؤدّي تحسين حالة العقل إلى حالة محسّنة من التفكير والتنسيق الأفضل بين العقل والعالم حوله. عندما يظهر العقل الكامل لإبداء نفسه في العالم الخارجي، تكون الذاتية بعلاقة مثالية وأكثر مكافئة مع الموضوعية. تأتي السعادة بشكل واضح نتيجة لإنجاز حاجات العقل. إن العقل السعيد والمطمئن ينتج صحة.
لقد وجد أيضا بأنه إذا كانت الحالة المادية للجهاز العصبي محسّنة بواسطة الطبّ، في حين تبقى الحالة العقلية دون تغيير، يصبح التفكير أكثر عمقاً ويعمل العقل بنشاط أكثر وبكفاءة أكثر. هكذا، نجد أن العقل والجهاز العصبي معتمدان على بعضهما البعض، لكن، وبما أن العقل ذو طبيعة مرهفة أكثر من عضوه، الجهاز العصبي، يبدو أنه من الحكمة الافتراض بأن العقل هو الأساسي.
هناك عدّة عوامل قد تدخّل في نمو الشجرة، لكن ضعف البذرة بذاته يكون العامل الأهم من كل العوامل. وبالطّريقة نفسها، هناك عدة عوامل قد تمنع إنجاز الحاجة، لكن ضعف قوّة الفكرة يجب أن يكون العامل الأهم من كل العوامل. تستطيع البذرة القوية إعطاء شجرة حتى في الصحراء، في حين لا يمكن لأي كمية من الغذاء مساعدة البذرة الضعيفة. إذا كانت القوّة الأساسية للفكرة قوية، سوف تجد طريقها إلى الاكتمال.
إذا بدأ الاستياء، بسبب الفشل لإشباع الحاجات ورغبات العقل، في إنتاج التوتّر في داخله، عندئذ ستكون طريقة إزالة هذه التوتّرات بتقوية العقل وبزيادة قوّته على التفكير - قوة الفكر. يتم تحقيق ذلك بتوسيع العقل الواعي من خلال ممارسة التأمل التجاوزي، كما أوضّحنا سابقاً.
عندما تنمو وتكبر التوتّرات في العقل، تنعكس من خلال الجهاز العصبي على الجسم. أما العقل القلق، والذي يرفرف بشكل ثابت ذهاباً وإياباً بين مشاكله في حالته الساخطة، يستنزف ويغضب الجهاز العصبي والجسم. يكون مثل الخادم الذي يعطيه سيده أوامر غير حاسمة ومربكة بشكل دائم، فيصبح متعبا وعصبي ويخفق في النهاية في القيام بأي عمل، وعلى نفس النمط، يصبح الجهاز العصبي والجسم متعباً ومنهكاً وفي النهاية، يخفق في العمل بشكل كفء عندما يكون العقل في حالة من الضواغط بسبب الإرباك والتردد.
بهذه الطريقة، تنتج الضواغط العقلي مرضاً، وتغييرات عضوية في الجسم. من المؤكد أن معالجة كلّ مثل هذه المعاناة هي في خلق حالة في العقل تجعله يصبح ويبقى غير متأرجح وثابت. ويتم تحقيق ذلك بتوسيع العقل الواعي، الأمر الذي يجعله قوياً. وكنتيجة لتقوية العقل الواعي، يتم تثبيت التنسيق الأفضل بين العقل والجهاز العصبي، وتكون النتيجة الطبيعية بالعمل السلس والفعال للجسم. يتم المحافظة على الصحة العقلية المثالية بسبب هذا التنسيق للعقل مع الجهاز العصبي وبعضوه الأخير، الجسم.
لقد رأينا وفي مئات الحالات في العديد من البلدان بأن الناس القلقة والمتوترة يفقدون توتّراتهم بشكل طبيعي وفي وقت قصير من البدء بممارسة التأمل التجاوزي. نجد بأنّ هذه الممارسة من التأمل التجاوزي هي هدية إلى الصحة العقلية. إنها وسيلة لحفظ الصحة العقلية؛ فهي تخدم كمقوّي عقلي، وفي نفس الوقت، كعلاج طبيعي وفعّال للمرض العقلي.